هل يمكن تَوَقّÙع ما يقدّمه خميس قلم ÙÙŠ نصوصه أو إصداراته الأدبية؟ وهل لتقاطعات الماضي بأمكنته وشخوصه وثقاÙته أثرٌ على الكتابة الإبداعية لديه؟ إنّ خميس قلم واØدٌ من الكÙتّاب الذين يتقاطعون مع الØياة بأشكالها، يأخذ منها Ùكرته، وينطلق بها إلى عالم الكتابة Ù…ÙجدّÙداً ÙÙŠ أساليبها، ومÙØدÙثاً Ùوضى أدبية داخلها، الÙوضى التي ØªÙ…Ù†Ø Ø§Ù„Ù†Øµ توهجاً، وتخيّلا.
تعود معرÙتي بخميس قلم إلى عام 2002Ù… بالملتقى الأدبي ÙÙŠ صلالة، ومنذ ذلك اليوم Ùإنني أرى ÙÙŠ كتاباته Øياة متجددة، وتنوعاً من شكل لآخر، ولعل إصداراته الأخيرة (كرنÙال الكتابة: 2014)ØŒ Ùˆ(سأترك الباب Ù…ÙتوØاً: 2017)ØŒ Ùˆ(إنها موجة عالية: 2020) أنموذج على هذا التجدّد والتنوّع ÙÙŠ الشكل الكتابي، لا سيما وأنه أشار إليها بـ”كتابة Øرة” دالّة٠على مضمونها، ليدÙع بالقارئ إلى مناطقه الوعرة وهو Ù…Ùمسكٌ بخيط٠يقوده لتقصّي Ù…Ùهوم الكتابة الأدبية، ويدعو إلى “تجاوز الأجناس الأدبية” ÙÙŠ الكتابة. يقول خميس قلم عن ذلك ÙÙŠ إصداره (كرنÙال الكتابة): “…أن تمرّ أجناس الكتابة، ما تيسّر منها، جنباً إلى جنب، ÙÙŠ طريق واØد دون اصطراع؛ Ùيضمّها كتاب تأتل٠Ùيه، باختلا٠أشكالها وموضوعاتها طويلها وقصيرها، صخبها وأدخنتها، ألوانها ومباهجها وأØزانها كما ÙÙŠ موكب الكرنÙال، Øيث تØتشد المتناÙرات لتعطي شكلاً منسجماً عاماً دون أن تÙقد العناصر المÙردة خصوصيتها، Ùالكتاب ليس شعراً ولا نثراً ولا نصاً Ù…ÙتوØاً ولا أدب رØلة، ولا طرائ٠ولا رسائل ولا.. إنما هو مجموع ذلك. وبعيداً عن التصني٠والتجنيس، الكتابة هي هوية الكتاب، وليت أنّا ÙÙŠ كتاب الأرض نتآخى كتلك الأجناس الØبرية…”. (مجلة نزوى، العدد84ØŒ ص120)
هذه هي الÙوضى الأدبية التي أتØدث عنها، والتي منها ينطلق خميس Ù…Ùشكّلاً رؤيته الكتابية، Ù…Ùستمداً مرجعياتها من رؤيته الواقعية للØياة، ومعها يبتكر نصاً لا يربطه بالواقع إلا الÙكرة، وهنا أعود للسؤال الذي طرØتÙÙ‡ أول المقال: هل Ùعلا يمكننا تَوَقّÙع ما تÙسÙر عنه نصوص خميس قلم؟ إنّ خميس قلم -لا سيما ÙÙŠ إصداراته الأخيرة- يقوم بتوليد المعنى، وابتكار الصورة، والنبش ÙÙŠ المخيلة من Ùكرة بسيطة يطرقها، ولا أدلّ على ذلك من نصوصه ÙÙŠ مجموعته الأخيرة (إنها موجة عالية)ØŒ ومنها على سبيل المثال نصوص: الرØلة، ونÙخة ÙÙŠ الصابون، وعقيدة الجندي، ÙˆÙشع، وتلامس الراØتين، ÙˆØادث.
تأتي نصوص الإصدار متداخلة ÙÙŠ جنسها بين الكتابة الشعرية والكتابة النثرية، Ù…ÙقَدّÙمةً نصوصاً متÙاوتة ÙÙŠ طولها وقصرها، ÙˆÙÙŠ تكثيÙها وتعبيرها ودلالاتها، وتشكيلاتها اللغوية، ومتنوعةً بين القراءة الأدبية، والقصيدة الومضة، والنص الشعري ÙˆÙÙ‚ رؤية خاصة يستلّها الكاتب من Ùهمه للقيمة الأدبية وتأسيسها أو استعادتها من واقع خارجي، متناولا التÙاصيل اليومية ÙÙŠ كتابته بقلب Ù…Ùاهيهمها وتقديمها من خلال تÙتيت هذه التÙاصيل وإذابتها ÙÙŠ الاشتغال الÙني واللغوي للمÙردة والتركيب والدلالة. ÙÙŠ نص (Ù†Ùخة ÙÙŠ الصابون) الذي يمكن أن يكون أنموذجا لما ÙŠÙعر٠بـ”القصيدة الومضة”ØŒ اختصر خميس النص ÙÙŠ سطرين شعريين:
يا Ù„ÙرØØ© الطÙÙ„ الراكض خل٠الÙقاعة!
ويا لمأساته.
النص موجزٌ، والتعبير الدلالي لم ينته٠ÙÙŠ السطر الثاني من النص، بل امتدّ، كما أراه، ÙÙŠ مخيّلة القارئ، بل إنّ الشاعر هنا وبتضاد٠بسيط بين الÙØ±Ø ÙˆØ§Ù„Ù…Ø£Ø³Ø§Ø© ÙŠÙشرك القارئ ÙÙŠ قراءته للنص، وتخيّله معه، Ùكي٠تتقابل الÙرØØ© عند الطÙÙ„ مع المأساة أثناء Ùعل الركض؟ إنّ تلك اللØظة تدÙعنا إلى إعادة قراءة الصورة من جديد، وإعادة ترتيب المÙردات، Ùالمأساة التي التصقت مباشرة بالسطر المكتنز بهجةً هي انتقال جوهري من Ù„Øظة لأخرى، وكأنّ الشاعر ÙÙŠ تأمله للØياة أراد للÙقاعة أن تكون معادلا اÙتراضيا للØياة التي يجري خلÙها الطÙÙ„ ÙرØاً، ولكنه قد ينخدع بها ÙتجرّÙÙ‡ المأساة إلى عالمها. إنّ الدلالات هنا مشØونةٌ برؤية الشاعر ÙˆÙلسÙته التي اختزلها ÙÙŠ نص شعري قصير جدا، وهو معادل ÙÙŠ بنائه للقصة القصيرة جدا.
إن الاشتغال على اقتناص Ùكرة من الØياة والتعبير عنها عند الشاعر، هو اشتغال ثريٌّ ÙŠÙ…Ù†Ø Ø§Ù„Ù†Øµ Øيويةً جديدة، وقراءة جديدة، وقد عني غير واØد من الشعراء المعاصرين بهذه التجربة، لعل واØداً منهم Ù…Øمود درويش الذي أدرك أنّ الØياة مليئة بالأÙكار، Ùغذّى نصوصه بأÙكارها، وصÙوَرÙها، ومشاهدها واشتغل على توظيÙها ÙÙŠ نصوصه المتأخرة.
الأمر ذاته ÙÙŠ نص (الرØلة) الذي يشتغل Ùيه خميس على مشهد يومي متكرر. Ùهو يشتغل على نصه بلغة بسيطة واضØØ© يقدّمها للقارئ Øين يعرض صورتين مختلÙتين: إما أنْ تكونَ هكذا أو تكون غير ذلك. إنّ المشهد التصويري الذي يرسمه الشاعر قائمٌ على التَّخيّÙÙ„:
Øين لا تكون سائقا للسيارة تستمع بالمنظر الجانبي:
الأشجار السائرة إلى الخلÙ
أجمات الموز المضيء
وغابات المانجو المعتمة
طشاش قطرات المطر ÙÙŠ البرك الصغيرة وكأنها تثور…
ÙˆØين لا تثور تعكس مراياها السماء والأشياء
تستمع يا الذي لا تقود
بانعكاس صورتك وخيالاتك ÙÙŠ مرايا ناÙذة المركبة
بالتلصص على البيوت الØاضنة لأسرارها
بأسماء المØلات المضØكة
بطيور Øائرة ÙÙŠ الأسلاك
بالمآذن المندسة بين النخيل
بجبال الزرقة البعيدة
وبØزوز الألوان ÙÙŠ الصخور المشقوقة
تستمع كذلك بند٠الغيوم المساÙرة
Ù…Øاولة أن تشبهك أو تتشابه معك
تستمتع بتÙاصيل لا ترصدها الكاميرا مثل:
الØشرات المتراكبة على Øنبل الغاÙ.
أما السائق Ùيزرع عينيه ÙÙŠ خطوط الطريق
البيضاء والصÙراء
المتصلة والمنÙصلة
متوجسا من العابرين/المشاة الغزاة
ومن قطاع الطرق الجدد/ شرطة المرور
ليس له من Øيلة سوى تصيد الرادارات المتربصة
وتبصر المطبات المتسلطة
وتكهن أخطاء الآخرين.
يتÙادى أي موت مخبوء ÙÙŠ المساÙات
ويØذر من ألغام الظلام
إنه: Øين تكون قائدا تÙوتك الرØلة.
هنا يشتغل خميس على “القÙلة” بدقة ووعي كبيرين، وهو اشتغال ÙˆØ§Ø¶Ø ÙÙŠ غير نص من نصوص الكتاب، يدÙع القارئ معه لإعادة تركيب الصورة من جديد، وإعادة ترتيب الأÙكار مرة أخرى، وصياغتها ÙÙŠ قالب شعري. إنّ الوعي باستخدام المÙردات اليومية البسيطة وتوظيÙها شعراً أو نثراً، والانطلاق منها ÙÙŠ بناء سياقات النص، وعيٌ يقصده الشاعر لا سيما ÙÙŠ مراØÙ„ الكتابة المتأخرة، ÙˆØضور الخيال عنده وهو ما أخبر به عند الØديث عن القرية، والمعلم سليمان، وعصا والده، إذ يستØضر كل ذلك Ù„Øظة الكتابة كونها عوامل ساعدت على التمرد الكتابي والانتقال من مرØلة كتابية لأخرى، يقول عن هذه المرجعية التي أثارت رغبة الكتابة الجديدة لديه: “كنت٠أقول إنّ الانتباه للتÙاصيل كان متأخراً وأنّ قيمة التÙصيل ÙÙŠ استثماره Ùنياً وليس بمجرد تداعيه بشكل تبذيري.. ما Øرّك الخيال ليس عصا والدي المعلم، العصا كانت أداة انضباط بترهيب الطلاب وعقابهم بها، وقد نلت٠Øظي منها، أما “جنّيّة المعلم” Ùهي ما كان ÙŠØÙّز خيالي، كان الكل مقتنعا أنّ معلم القرآن لديه جنّيّة وهي من يخبره بأÙعالنا الشيطانية، إنْ “خرّبنا” الثمار وإن سبØنا ÙÙŠ “الجباة” وإن وإن، صرنا نرسم صوراً قبيØØ© لذلك المخبر غير الإنسي، تارة ملتØÙØ© بثوب أسود، وأخرى بشعر أشعث تركب ضبعا…”. (مجلة نزوى، العدد84ØŒ ص118)
وتتسع الصورة ÙÙŠ نص (تلامس الراØتين)ØŒ Øين ينطلق من عتبة النص، مستخدما التضاد مرة أخرى ÙÙŠ تشكيل المعنى، إنّ العتبة تØيل على Ùعل الملامسة والرّقة، ولكنها صورة تتسع وتمتلئ عنÙا على Øد تعبيره الشعري:
هل يبدو العنوان رقيقا؟
لكنه يختزن عنÙا
الØب كالمصارعة
لا بدّ من طريØ
يتكرر الأسلوب Ù†Ùسه ÙÙŠ إصداره السابق (كرنÙال الكتابة) ÙÙŠ نص٠يØمل عنوان (يسارية) متناولاً أسلوب التضاد، والثنائيات التي تعمل على Ù…Ù†Ø Ø§Ù„Ù†Øµ انÙتاØاً أعمق على المضمون الخارجي المرتبط بالواقع، ثم اشتغاله Ø§Ù„ÙˆØ§Ø¶Ø Ø¹Ù„Ù‰ “القÙلة” الشعرية التي تÙØªØ ØªÙŽØ®ÙŽÙŠÙ‘Ù„Ø§Ù‹ متسعاً مع النص، يقول:
يدي اليسرى تÙمسك٠لÙاÙØ©ÙŽ الدخان
يدي اليسرى تزيل قذارتي
أتمخّط بها، ولا آكل
يدي اليسرى طاهرة
يدي اليسرى لا تصاÙØ٠البشر.
إذن هي صورة الÙوضى الشعرية التي يصنعها خميس قلم ÙÙŠ نصوصه، Ùوضى الدلالات المتمردة على اللغة البسيطة، ÙˆÙوضى الخيال المتمردة على الصورة، ÙˆÙوضى الابتكار الشعري المتمردة على المعاني والأÙكار. إنّه يعتمد التمرد قيمةً يمتطي موجتها، والتنويع ÙÙŠ الجنس الأدبي هدÙاً من أجل الوصول إلى التعبير الأنسب، لذا Ùإنّ توقّÙعَ ما ÙŠÙكّر به خميس قلم أدبياً أمرٌ يتطلّب٠مستوىً عالياً من التÙكير والممارسة الأدبية، وإنْ أَبْصَرْنا معه وعÙشْنا هذه الØياة. إنها موجةٌ عاليةٌ يمتطيها خميس، يجب مواجهتÙها والتÙكّÙر٠ÙÙŠ أمرها، والقÙز٠أمام مراوغاتها إنْ أمكن.